{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)}{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قال ابن عباس: هي كلمة بُعْد يقول: ما توعدون، واختلف القرّاء فيه، فقرأ أبو جعفر بكسر التاء فيهما، وقرأ نصر بن عاصم بالضم، وقرأ ابن حبوة الشامي بالضم والتنوين، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين، وكلّها لغات صحيحة، فمن نصب جعل مثل أين وكيف، وقيل: لأنهما أداتان فصارتا مثل خمسة عشر وبعلبك ونحوهما.وقال الفرّاء: نصبهما كنصب قولهم ثمثّ وربّت، ومن رفعه جعله مثل منذ وقط وحيث، ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء. قال الشاعر:تذكرت أياما مضين من الصبا *** وهيهات هيهات إليك رجوعهاوقال آخر:لقد باعدت أُم الحمارس دارها *** وهيهات من أُم الحمارس هيهاتاواختلفوا في الوقف عليها، فكان الكسائي يقف عليها بالهاء، والفرّاء بالتاء، وإنّما أُدخلت اللام مع هيهات في الاسم لأنها أداة غير مشتقّة من فعل فأدخلوا معها في الاسم اللام كما أدخلوها مع هلمّ لك.{إِنْ هِيَ} يعنون الدنيا {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا} يموت الآباء ويحيى الأبناء {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ} يعنون الرسول {إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ} عن قليل، وما صلة {لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} على كفرهم {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} يعني صيحة العذاب {بالحق فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً} وهو ما يحمله السيل {فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين * ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ} والقرن أهل العصر، سمّوا بذلك لمقارنة بعضهم ببعض.{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} ومن صلة.{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} مترادفين يتبع بعضهم بعضاً، وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو تترى بالتنوين على توهّم أنَّ الياء أصليّة، كما قيل: معزي بالياء ومعزىً وبهمي وبهما فأُجريت أحياناً وترك اجراؤها أحياناً، فمَن نوَّن وقف عليها بالألف، ومن لم ينوّن وقف عليها بالياء، ويقال: إنها ليست بياء ولكن ألف ممالة، وقرأه العامّة بغير تنوين مثل غضبى وسكرى، وهو اسم جمع مثل شتّى، وأصله: وترى من المواترة والتواتر، فجعلت الواو تاء مثل التقوى والتكلان ونحوهما.{كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} بالهلاك أي أهلكنا بعضهم في أثر بعض.{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي مثلا يتحدّث بهم الناس، وهي جمع أُحدوثة، ويجوز أن يكون جمع حديث، قال الأخفش: إنّما يقال هذا في الشّر، فأمّا في الخير فلايقال: جعلتهم أحاديث وأُحدوثة وإنما يقال: صار فلان حديثاً.{فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} نظيرها {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19]؟.